بنك مصر
بنك مصر
البنك الاهلى المصرى
2b7dd046-8b2b-408c-8c9e-48604659ffe0
البنك الاهلى المصرى
البنك الاهلى المصرى
مقالات

النَفَسُ الأول والأخير

بقلم | د.أحمد الوحش

يستنشق الإنسانُ نَفَسَه الأول معلناً بداية حياته بالبكاء، فهو لغة الفطرة، وطريقة تواصله الوحيدة مع العالم الذي ينحسر في أيامه الأولى على أمه، ثم يألف أباه بمرور الوقت، ثم يتدرج عالمه الضيق في الاتساع؛ ليشمل الأقارب، والأصدقاء…إلخ.

لحظاتٍ عاشها يتذكرها من حوله، لكنه لا يذكر أياً منها؛ فلم يتكون لديه الوعي بعد، ولا يملك اختيار فيما سيقضي أيامه تلك. يعيش هذا البريء في مدينة أفلاطون الفاضلة؛ فلا تُثقِلُ الهوم كاهله، ولا يطالبه أحد بإلتزامات الحياة، عالمٌ سحري هادئ تملأه الألعاب، وتهجره المتاعب.
أين ذاكرته؟ وهل عاش هذه اللحظات حقاً؟ سنواته تلك مرت بلا قيمة أو هدف بالمقارنة بسنواته اللاحقة، وعلى الرغم من ذلك تظل هذه السنوات الأهم في حياته.

يغدو هذا الفاني الصغير طالباً في المدرسة، فيطالبه من حوله بالاجتهاد. لقد بدأت الحياة تُثقِلُ همومها عليه شيئاً فشيئاً، تتبدلُ الأيام، وتمرُ السنوات، ويفهمُ الصبي.
“الفهم”… كلمة متعبة للغاية، فالوعي يرتبط بالذاكرة، أما الفهم فيرتبط بكل حقائق الحياة كالمسئوليات، والواجبات، والاختيار بين المتناقضين، فكلما زاد الفهم زادت الهموم.

من منا لا يود أن يعودَ طفلاً؟ جميعنا نتمنى ذلك بكلِّ تأكيد، لكن واقعَ الحياة يجبرنا على الاستمرار، ولو تأملنا حال الإنسان سنجده لا يملك القدرة على التحكم بعمره أو حتى كفاءة وسلامة أعضائه كالقلب، والكبد…إلخ، لكن كل ما يستطيعه فقط هو التحكم بأفعاله وأقواله.
يمكنني أن أختصر لك معنى الحياة في سؤال واحد مكوَّن من كلمتين فقط، لكنه يشمل عدداً كبيراً من الأسئلة؛ “ماذا ستختار؟”

أصبحنا اليوم رجالاً ونساءً نسعى إلى الحياة بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة، نطمع في المزيد، ولا نشبع، فنستمر في السعي؛ فيختار هؤلاء الطريقَ الروتيني، ويفضل هذا طريق الحق، ويسلك هذا طريقَ الباطل، ويغامر ذاك في دروب الصعاب.
اختلفت دروبنا، واتفقت مصائرنا على نهايةٍ نتناساها دهراً، ونتفاجأ بها لحظةً، ولم نكن مستعدين لها أبداً، فهل سألت نفسك يوماً “ماذا اخترت؟”.

“الموت”… كلمة تجمع بين الألم الأشد، والخوف الأكبر لكلِّ بشري فانٍ، وتعكسُ صورةَ الإنسان الحقيقية المجردة من زيف النياشين، والأقنعة.
نعم، سنفنى جميعاً يوماً ما، ونترك هذا العالم مترامي الأطراف، وتبقى اختياراتنا سِيَرنا الذاتية في الدنيا، وحسابنا في الآخرة.

عزيزي القارئ، لن أنصحك بما عليك اختياره، لك كامل الحرية؛ لأنها ستحدد مصيرك، لكن تذكر أن لكلِّ بدايةٍ نهاية آتية بلا ريب، فكما استنشقت نَفَسَك الأول يوم ولدت، وتتابعت من بعده الأنفاس، ستستنشقه يوماً ما، لكن هذه المرة ستكتمه إلى يومٍ لا يعلمه إلا اللّٰه، فاختر ما تشاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى