بنك مصر
بنك مصر
البنك الاهلى المصرى
2b7dd046-8b2b-408c-8c9e-48604659ffe0
البنك الاهلى المصرى
البنك الاهلى المصرى
عربى و دولى

حقوقنا التاريخية بشريان الحياة…”مسألة حياة وقضية وجود”

كتب:عماد عبدالحميد السالمي

 

النيل بالنسبة لمصر وللمصريين ليس فقط شرياناً للحياة ومرادفاً للتنفس، بل هو أيضاً جزء من الوجدان العميق لأبناء هذا الشعب علي مر العصور، تغَّني به الشعراء بإعتباره واهب الحياة وسر الوجود، فقد عاش المصريون علي ضفاف النيل منذ فجر التاريخ، ووصل إحساسهم بأهميته القصوى لحضارتهم إلي أن قدسهُ الفراعنة في بعض المراحل، وجعلوا منه إلهاً وسموه ” حابي ” وكانوا يقدمون له القرابين في عيد وفاء النيل، وعندما زار هيرودوت مصر أدرك هذا الإرتباط الأزلي العميق وأطلق مقولته الشهيرة “مصر هبة النيل” .

لقد كان تعامل مصر دائماً بالنسبة لمياه النهر حسب القانون الدولي الذي يحكم العلاقة المائية للدول المشاركة في النهر وكذلك الاتفاقيات الثنائية المتوافقة مع القانون الدولي والتي ترسم الحدود بين هذه الدول، ولكن بتطبيق “مبادرة حوض النيل” حدث تغير خطير في سياسات النظام المصري وهو ان تتفاوض مصر تفاوض جماعي يضعها في موقف ضعف لانها هى دولة المصب النهائي وهي اضعف حلقات النهر مائياً فكان لابد ان يكون لها موقف تفاوضي مستقل عن باقي الدول.

وكانت ” مبادرة حوض النيل” طرح مؤسسات مثل البنك الدولي هو غطاء للتفاوض الجماعي، وقبل ان تتبناه مصر وان الهدف النهائي هو التعامل مع المياه كسلعة تباع من دول المنبع للدول الاخرى، فيجلب دخل كبير لدوله مثل إثيوبيا من بيع المياه للسودان ومصر. ولكن هذا يشكل خطراً كبيراً لمصر عندما تواجه أزمة مالية طاحنة، غير انه انتهاك للاتفاقيات الدوليه المنظمة للعلاقات بين دول نفس النهر.

حيث كانت الأهداف الرئيسية ل”مبادرة حوض النيل” هي ترشيد المياه المستخدمه في الزراعةوالربط الكهربائي وتنمية الثروة السمكيه ومكافحة ورد النيل وإنشاء وحدة لتنسيق المشروعات في البلاد المختلفة مثل رواندا وبروندي وتانزانيا وأوغندا ، وإدارة الفيضان والإنذار المبكر وإدارة الأحواض العليا للهضبة الإثيوبية وإقامة المكتب الإقليمي لمشروعات النيل الشرقي، ولكن الهدف الغير معلن كان لبلورة نقطة خلاف مفتعله وهي إعادة النظر في حصص المياه المقررة لدول الحوض، ومن هنا كانت الخطيئة المصرية في الموافقة على التفاوض الجماعي والذي ادى بنا الى ما نحن عليه الان، ولكن يمكن ان نصل عبرها الى حقائق اخري تصل بنا الى الطريق الصحيح بعيداً عن الكوارث التي تصيبنا كدولة مصب والتي تهدد السلم والأمن في أفريقيا.

فلا شك أن الخلاف على مياه نهر النيل هو خلاف تاريخي يمتد لأكثر من 117 سنة، بدأت ملامحه منذ الاتفاقية الأولى لتقسيم مياه النيل والتي وقعت عام 1902 في أديس أبابا، ونصَّت على عدم إقامة أي مشروعات سواءٌ على النيل الأزرق، أو بحيرة تانا ونهر السوباط، مرورا بالاتفاقية التي وقعت بين بريطانيا وفرنسا عام 1906، بالاضافة الي انه في عام 1929 ظهرت اتفاقية أخرى تتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وأن لمصر حق الاعتراض في حالة إنشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر وروافده، كما نصت على تنظيم استفادة مصر من بحيرة فيكتوريا والاتفاق على تخصيص نسبة 7.7٪ للسودان و92.3٪ لمصر.

وبرغم نجاح مصرعلى مدار السنوات الماضية في إعادة العلاقات المصرية الإفريقية إلى سابق عهدها، وقدمت العديد من المبادرات من أجل تنمية إفريقيا وتقوية العلاقات مع دول حوض النيل، إلا أن إثيوبيا دأبت على القيام بالعديد من المحاولات المتكررة لفرض الهيمنة على مياة النيل الأزرق من خلال إنشاء ما عرف اصطلاحاً “سد النهضة “، مستغلة ما كانت عليه البلاد من اضطرابات منذ عام 2011 لفرض أمر واقع والإضرار بحصص مصر والسودان في مياه النيل لتزيد من تفاقم أزمة الفقر المائي التي لا تعاني منها مصر فقط بل شعوب العالم أجمع.

ولعل إصرار الجانب الإثيوبي على بناء السد يثير العديد من التساؤلات ويدق ألاف النواقيس حول الهدف الاساسي من بناءه، فالتقارير أثبتت عدم جدوى اقامته بالشكل الحالي، كما أن التحذيرات التي انطلقت من جميع الخبراء والمكاتب العالمية المتخصصة حذرت وبشدة من أن بناء السد سيصيب ألاف الأفدنة بالبوار والدمار، كما أن تشييده في المنطقة الحالية غاية في الخطورة وينذر بانهيار السد في أي وقت واختفاء مدن بأكملها ستغمرها المياه القاتلة المندفعة من وراء السد، فضلا عن الانخفاض الخطير في نسبة معدل أمان السد لتصل إلى 1.5 رختر مقارنة بالمعدلات العالمية الطبيعية.

فالنيل سيظل خالداً يربط دول الجنوب بالشمال بروابط تاريخية وجغرافية، وإذا كنا نقر بحق شعوب القارة الإفريقية وحوض النيل في الاستفادة من مواردها وتحقيق أمالها في حياة كريمة، فإننا أيضا نؤمن بأن حق مصر في مياه النيل أمر لايقبل تأويلاً أو تبريراً، كما أن الدفاع عن حقوقنا بكافة السبل أمر بديهي لا يحتمل تأخيراً أو تقصيرا، فكان لزاما على أشقاءنا في إثيوبيا وحوض النيل أن يعلموا يقيناً بأن شعب مصر لن يفرط أبدا فى حقوقه التاريخية فى مياه نهر النيل فهي كما قال الرئيس عبدالفتاح السيسي مسألة حياة وقضية وجود.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى