بنك مصر
بنك مصر
البنك الاهلى المصرى
2b7dd046-8b2b-408c-8c9e-48604659ffe0
البنك الاهلى المصرى
البنك الاهلى المصرى
مقالات

علامة استفهام تلمع في أفق المجتمع المصرى

كتب: احمد حسين
إن طبيعة المجتمع تؤثر تأثيرا سلبيا في رأي الفرد، واحتياجاته، ورغباته، وسلوكه، وتعبيره ومن الواضح أن المجتمع العربي يعاني بأكمله من جملة من الموروثات ووبعض العادات العقيمة بالرغم من هشاشتها المنطقية و التي تتمظهر اساسا حول نظرة الرجل إلى المرأة وتعدها درجة دونية على جميع المستويات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية و السياسية، وهذا في الحقيقة نابع من كون سلطة الرجل هي الغالبة في كل مجالات الحياة حتى داخل الأسرة لذا تتصف مجتمعاتنا بالذكورية، ومن هذا الواقع والنظرة التاريخية جاءت نظرة المجتمع إلى المرأة المطلقة كونها كيانا مستلبا وفاقدا أهليته وكأنها سلعة مستعملة غير مرغوب فيها، ونتيجة لذلك تقع المرأة تحت نظرة قاسية قاصرة بحكم ثقافة المجتمع والفهم الخاطئ لأعرافه، فينظر المجتمع إلى المرأة المطلقة نظرة قاسية بلا رحمة ولا عطف ولا مودة، ويعاملها علي أنها عورة لا ينبغي لها أن تتنفس إلا داخل جدران غرفة مغلقة، على الرغم من إنها إنسانة قد تعرضت للظلم، أو كان طلاقها نتيجة عدم فهم بين الطرفين أو لظروف مادية، اوغيرها من الأسباب الكثيرة فهي لم تكن تعتقد بأن طلاقها أعظم من خسارة رجل كانت تحلم بأن تعيش معه حياة زوجيةً سعيدة ملؤها الحب والتفاهم، وأنها ارتكبت جريمة تعاقب عليها محكمة المجتمع وليس القانون، وعليها أن تتطهر منها ما تبقى لها من سنوات عمرها، وتضمد جراحها فلا تفتر تنزف حتى تنزح عروقها من دمائها، كما تنزح البئر من مائها، وتلملم أوراق ذكرياتها، فلا تستريح نفسها من زفراتها وأوجاعها وأحزانها، فهناك من حكم عليها بأن تعيش النهاية وتشهد غروبها، أياما تداولها كئيبة، تراودها الخواطر كأّنها كوابيس أحلام مزعجة، تصيبها بالقلق والاكتئاب النفسي، فتفقد نشاطها وحيويتها وطاقتها، وتصير شاحبة كشحوب أوراق الخريف قبل أوان الخريف، تتوهم أن دورة حياتها انقضت أيامها وساعاتها، فتظل تلهث بين آمالها وآلامها، تصارع لكي تعيش فلا تنسل روحها من ضعفها، فماذا تقول لمحكمة أدانتها، وألقت بها في زنزانة المجتمع لتقاسي أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي لأنها مطلقة.. ونلاحظ في مجتمعنا المصري إن المرأة المطلقة تواجه تجارب قاسية، ومحنا أشد من محنة طلاقها، فأطماع الرجال حولها ترشقها بسهامها وعيونا ترميها بنظرات تحطمهاوتشعرها بعارها المزعوم الذي لا ذنب لها فيه، وألسنة تقذفها بشرارها وعبارات كرصاص المدافع تخترق قلبها، فتوقعها صريعة تلفظ آخر أنفاس كرامتها وحريتِها، وإحساسها بإنسانيتها. كما أن حظوظ زواجها ثانية تكون ضعيفة، لأن الرجال عادة يبحثون عن البنت البكر وصغيرة السن، وبالتالي فهي لا تصلح زوجة المستقبل، وينظر إليها بازدراء ودونية وكأنها ارتكبت جرما، وعلى الرغم من أن الحياة تطورت وتغيرت في الكثير من المفاهيم وأخذت المرأة مجالاتها في شتى نواحي الحياة وأسهمت في المجتمع مثلها مثل الرجل، ولكن تبقى هذه النظرة القاصرة والجاهلة المسمار الكبير في نعشها طالما بقيت عقلية الرجل تقبع في دهاليز القرون الوسطى ، إن سبب احتمالية نظرة المجتمع إليها نظرة سلبية يعتمد على ثقافة الشخص نفسه ومدى وعيه في تقبل واقع المرأة في المجتمع العربي عموما؛ فالشخص الناضج المثقف لا ينظر إليها ماذا تقول وهي لا تملك أجوبة برائتها، ماذا تقول والأصوات تعلو صرخات بداخلها، تثور على ظلمها ماذا تقول وفي كل يوم تفقد من ذاتها، ونفسها، وروحها، وهويتها، وأحلامها ..؟ إضافة الي ان المجتمع لا يرحم هذه الإنسانة التي ربما لو كانت الظروف مناسبة لها قد لا يحدث الطلاق، وان حدث فقد يكون المسئول عنه الرجل، وبالتالي فان نظرة المجتمع الضيقة تجعلها هامشية وغير فاعلة وبعيدة عن فكرة الارتباط برجل ثاني وتكوين أسرة سعيدة، وقد تفشل المرأة اجتماعيا لكنها تنجح في الجانب السياسي أو الثقافي وجوانب أخرى كثيرة، ومن المؤكد ان ليس كل امرأة مطلقة هي السبب وراء طلاقها فبعد الطلاق مباشرة تقع عليها موجة من التنظير بأنها كان يجب أن تستر على شوائب الزوج و تبقى في علاقة الزواج هذه، ولأنها الزوجة عليها أن تتحمل كل أخطاء زوجها وسلبياته، وكل سقطاته وقسوته، ولأنها الأم المربية عليها واجب التربية والرعاية لأطفالها والتضحية لأجلهم براحتها وسعادتها، ولأنها السكن عليها أن تهب لبيتها الدفء والحنان والمودة والرحمة، حتى وإن حرمت من كل ذلك من زوجها، وعليها أن تصبر وتكافح وتستمر حتى النهاية، إنها بكل حالاتها ليس من حقها أن تتخلى عن واجبها ومسؤوليتها، أو تمل من صبرها وكفاحها، وتطلب الطلاق، أو تكون سببا من أسبابه، وإلا سيتهمها المجتمع بأنها ظالمة لزوجها وأنها إنسانة،لا تتحمل مسؤولية الزواج وأعبائه، وقد يكون الزوج هو السبب نتيجة تصرفاته السلبية داخل البيت مثل انفعالاته وتسرعه في حسم الأمور مما يولد ضغوطا نفسية لدى زوجته بمرور الأيام مما يؤدي لحدوث الطلاق.
وأخيرا أريد أن أقول: قبل أن نتهم المرأة المطلقة علينا أن نسأل أنفسنا ماذا قدمنا لها لنحميها وندافع عن حقوقها؟ وماذا قدمنا لها لتوعيتها وإرشادها؟ ولتكن غايتنا ليس الترويج للطلاق، فهو أبغض الحلال عند الله، ولكنه الحلال الذي أحله الله، والحل الذي وضعه الشارع للرجل وللمرأة حين تستحيل العشرة بينهما، وغايتنا تحسين صورة المطلقة داخل المجتمع، وصرف الإشاعات والظُّلم عنها، حتى تستطيع أن تحيا حياة كريمة، ونسعى لتصحيح ما نراه من أخطائنا وسلبياتنا بمجتمعاتنا، ونعمل على تغيير نظرتنا ومفاهيمنا الخاطئة، وعاداتنا وتقاليدنا وطباعنا السيئة التي لا أصل لها من شريعتنا، ونحاكم أنفسنا قبل أن نحاكم غيرنا ونعتلي منصة القضاء ونصدر الأحكام من غير أدلة ولا شهود ولا دفاع، ويبقى دور الأهل في التقليل والتخفيف من هذه المعاناة القاسية، من خلال مساندة المطلقة معنويا وماديا، ،مع ضرورة احتوائها نفسيا وعاطفيا بالتفاهم والحنان والحب حتى تتمكن من إعادة ترتيب أوراقها، وهو الأساس الذي تحتاجه لتنهض من جديد أشد قوة وأمضى عزما، فالدعم النفسي والمجتمعي هو أول ما تبحث عنه المطلقة بعد فشل حياتها الزوجية، فهذا هو السبيل الوحيد للخروج من حالة اليأس والإحباط، والحزن الشديد الذي قد يدفع بعضهن إلى الزواج بأول رجل يطرق الباب ،إننا نحتاج لتصحيح نظرتنا للطلاق ولماذا أحله الله، حتى نقدر أن نعالج الكثير من قضايا المرأة ومشاكلها، لتكون مربية الأجيال القادمة ..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى