بنك مصر
بنك مصر
البنك الاهلى المصرى
2b7dd046-8b2b-408c-8c9e-48604659ffe0
البنك الاهلى المصرى
البنك الاهلى المصرى
الرئيسية

“أنتِ الغلطانة”

بقلم أحمد الوحش

لقد كان صباحاً هادئاً واعتيادياً، العصافير تشقشق واقفةً على حافة نافذة الغرفة، والديك يصيح كعادته في هذا الوقت، والجميع في ثباتٍ عميق، ارتديت نظارتي وخرجت إلى صالة المعيشة، فسمع القط مشمش خطوات أقدامي فهرول إلىَّ؛ ليستقبلني كما يفعل كل يوم، فابتسمت وداعبته قليلاً ثم توضأت وأديت فريضة الصلاة، أعددت لنا طعاماً ولي كوباً من النسكافية، أكلت وأكل القط ثم غط في نوم عميق.
أمسكت هاتفي المحمول لمتابعة آخر الأخبار، إذا بعشرات من رسائل التنبيهات، وحالة من الفوضى تعم أرجاء الهاتف…

سجلت الدخول لحسابي على فيس بوك فوجدته صخباً ومزدحماً بنقاشاتٍ حادةٍ وعراك لا أفهم سببه، هذا شابٌ يلوم وهذه شابةٌ تتهم وذاك أبٌ ينهى وتلك أمٌ تنصح، انتقلت إلى تويتر فوجدت الصخب يزيد أكثر وأكثر وتحول النقاش الحاد إلى فوضى عارمة.
عالم لا نهائي ينحسر في شاشةٍ لا تتخطى الخمس بوصات، أشعر بالتيه وأبحث بصعوبة عن بداية الخيط؛ لأفهم عما يتحدثون.

لقد انتشر هاشتاج عن شابٍ قد تحرش بكثير من الفتيات، فأشعل ذلك مواقع التواصل الاجتماعي، في البداية اتفق الجميع أنهم ضد التحرش، ثم تبادلوا الاتهاماتِ فيما بينهم فنشبت الخلافات النوعية المعهودة، ثم انقسموا كتلتين رجالاً ونساءً…
قدم كل من الطرفين حجته محاولاً إثبات وجهة نظره، ثم انقسمت الكتلتين إلى أفراد فأصبح الوضع كما نسميه بالعامية “الضرب في المليان” كلام مبعثر وعراك بلا طائل، تارةً يصيبون هدف التريند وتارات أخرى يخطئونه، تحول التريند إلى عراك وتشتت الجميع، فمن منهم على حق؟

هنا يتحتم علىَّ إعلان موقفي أمام الجميع، وهو أنني ضد التحرش وأنه لا يوجد أي مبرر للتحرش بكل أنواعه، ولأكون عادلاً فيما يخص التريند، لا يمكنني أن أثق في مستخدمات مواقع التواصل الاجتماعي اللاتي لم تتقدمن بأي أدلةٍ، أما من تمتلكن الأدلة فإنني أنصحهن بالتوجه لتقديم بلاغ للجهات المختصة.
عزيزتي القارئة، لديك الحق بكل تأكيد وجميعنا ندعمك في قضيتك، لكن تويتر منصة لعرض المشكلة، عليك تقديم بلاغ رسمي؛ لتتحرك أجهزة الدولة المعنية بذلك، فالقانون يحميك ويمدك بالقوة.

نعم النساء يتعرضن للكثير من الاعتداءات النفسية والجسدية، ويتعرضن لمواقف خادشة للحياء، ويحق لهن المطالبة بمنع ذلك والحفاظ على شرفهن وعرضهن…
فهناك تحرش لفظي وجسدي وتهديد واستفزاز…إلخ، إن التحرش بمختلف أنواعه يتراوح بين الثواني والدقائق، لكن يرافق أذاه المرأة طوال حياتها، ألا يكفي ما تتحمله المرأة من أعباء الحياة؟

لننتقل إلى الرجال الذين انقسموا بين مدافع وناقد ومهاجم، فقال النوع الأول “الحجاب ملوش علاقة بالتحرش”.
وانتقد البعض النساء قائلين “احنا ضد التحرش بس هم غلطانين وبيلبسوا ملابس تستفز الرجالة”.
أما الثالث فقد كان موقفه أن الخطأ يقع كاملاً على عاتق المرأة، وسؤالي للأخير إذا تعرضت أختك للتحرش فهل هذا خطأها؟

تبادل الأطراف الاتهامات والسب والقذف، فتحول النقاش إلى حربٍ كلامية، وبدأ ضوء القضيةِ الأساسية يخفت شيئاً فشيئاً.
إن التحرش لا مبرر له سوى فساد المتحرش وضياع أخلاقه، فالمرأة هي الأم والأخت والزوجة والابنة، كن رجلاً ودافع عنهن وادعم حقوقهن التي وهبها الله لهن، فالإسلام كرم المرأة تكريماً يليق بمكانتها العظيمة في المجتمع، إن اعتداءك على المرأة ليس إلا نقصاً من رصيدك الديني والأخلاقي، واعلم أيها الرجل أن احترامك للمرأة من احترامك لنفسك.

حدثتني فتاة لا تتجاوز الثامنة عشر -فضلت عدم ذكر اسمها- عن موقفٍ حدث لها في سن الخامسة عشر، وقد سبَّب لها ذلك انهياراً عصبياً، كانت جالسةً في ميكروباص واستغل رجل خمسيني الزحام، وتحسس جسدها والفتاة من شدة خوفها لم تستطع النطق وحاولت إبعاده، وعادت إلى المنزل منهارة تخجل أن تحكي لأفراد أسرتها، واستمرت المعاناة النفسية حتى الآن…
وحين سألتها “وماذا كان شعورك كفتاة تجاه ذلك؟” أجابتني وعلامات الألم والانكسار في وجهها “مبقدرش أنام ساعات ولو حكيت بعيش الحادثة ده من تاني”.

سمعنا عن قضايا الخطف والاغتصاب ثم القتل، وعن هذا الزوج الذي اتفق مع أحد العمال على اغتصاب زوجته لكي يتزوج من أخرى، وعن التهديد بنشر مقاطع خاصة عن الفتيات إذا لم تقابله الفتاة؛ ليتحرش بها…إلخ، أترضى ذلك لنساء بيتك؟
على الأهل الانصات لبناتهن وألا يرهبوهن ويثيرون الخوف بداخلهن، فالمرأة هي الطرف الخاسر الوحيد، فيكون زواجها مبكراً خوفاً عليها، ويمنعها الزوج من العمل والخروج من المنزل…
انظر إلى كم المعاناة النفسية التي تتعرض لها المرأة، نحن أمام مأساةٍ كبيرةٍ يجب على كل رجلٍ متعلمٍ عاقلٍ عادلٍ أن يدعمهن في حقوقهن، هن لم يطلبن غير حمايتهن من التحرش وحقوق مشروعة واجبة علينا كرجال.

نعم المرأة انسان قد تخطئ وتصيب -كما نحن الرجال- لكن تعامل معهن بقول رسولنا ﷺ “رفقاً بالقوارير”.
واعلم أن ارتداء المرأة للحجاب ليس إجباراً وترهيباً؛ حتى لا يتحرش بها أحد، لكن إرضاءً وطاعةً لله.
ومن حق المرأة أن ترتدي الحجاب أو العكس، وذلك لا يبرر التحرش فهو جريمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
يا من تبرر التحرش بحجة الحجاب، ألم يسبق أن تحرش أحد هؤلاء لفظياً بأمك المحجبة المتقدمة في السن؟ هل سَلِمَت مرتدية الخمار أو المنتقبة من أفواههم؟ ماذا عن القضية المشهورة حين اغتصب ثلاثة رجال طفلاً؟

تعالت أصوات الحناجر في عراك لا نعلم ما هي نهايته، وأغلب الظن أن الجميع قد أفرغوا غضبهم دون التقدم خطوة لإيجاد حلٍ جذري للمشكلة، فهل سنرى تطورات في الأيام القادمة؟

"أنتِ الغلطانة" 1

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى