حكايات من الواقع: نسمات الرحيل .. !
كتبت/ مي عبد المجيد
كنت أعلم أن السعادة التى عشتها عمرا تأبى أن تكتمل و تهدينى ثمرة المشوار الطويل فى الدنيا برا بى فى شيخوختى فقد وهن العظم منى و خارت قواى وتلاشت تلك الطاقة الحنون التى وهبتها ابنتى الوحيدة نطفة فى حنايا قلبى و رضيعة ترتشف رحيق الحياة من روحى تستدفئ بأنفاسى المتلاحقة تحوطها
، تحميها، تخشى عليها حتى كبرت عروسا يتهافت عليها الشباب كل على أمل فيها و ما ارتاحت لأحد غير ذلك الشاب الذى سلبها براءة الحياة و عبير شبابها، شغفها حبا حتى دانت له و لفظت ما دونه خلفها حتى أنا أمها لم يكن لى مكان فى حياتها الجديدة مع من أحبت و تزوجت
،إنشغلت و أولادها عنى لم تكن تزورنى إلا فى مناسبات متباعدة أنا التى عشت لها و ترملت عليها فى سن مبكرة لم أفكر أن أقحم عليها رجلا آخر غير أبيها فكنت لها الأب
و الأم و لا أدر اليوم ماذا فعلت لها كى تلفظنى من حياتها هكذا حتى أنى حرمت متعة رؤية أحفادى أو أسعد بهم بالقرب من قلبى تماما كيفما كانت أمهم صغيرة و فتاة تقبل على الدنيا كفراشة جميلة حلقت فى السماء بعيدا، إنتظرتها طويلا و لكنها لم تعد
كنت أعرف أن تاريخا مضى من زمن طويل ليس لابنتى فيه ذنب غير أنى أمها قد يكون سببا فى نفور زوجها منى و لكن ما بيدى أنا التى كنت تائهة أتخبط فى الدنيا قبل أن ألتقى زوجى و حبيبى و والد ابنتى الوحيدة والذى أحاطنى بحبه و ستره و أنقذنى من دنيا كنت فيها لاهية أعمل راقصة
فى الأفراح ألتقط منها لقمة عيشى فلا أب مسئول و لا أم ترعى، كنت وحيدة و لم يتيسر لى طريقا غير هذا و لكنى لا أحب نفسى فيه و أدعو ربى أن يفتح لى أبواب رحمته و أخرج من دنياى هذه حتى لقيت من ملك على قلبى و روحى و تزوجته و من يومى الأول معه كنت إنسانة أخرى غير التى
كنت عليها و مضت سعادتى سريعا كما أتت ومضة من نور سرعان ما انطفت بموت حبيبى فجأة تاركا لى قطعة منه هى الدنيا كلها فى حياتى، إبنتى و نبض روحى
و سعادة عمرى و كان لى معاش منه إستطعت به التعايش فى الدنيا و رعاية ابنتنا حتى كبرت و تزوجت و لم أكن أدر أن زوجها يعلم شيئا عن حياتى الماضية و اشترط على ابنتى مقاطعتى و كأنها لم تكن لى يوما ابنة و لم أكن لها أما.
تحملت منذ زواجها كثيرا، عذابات الهجر و النكران و لوعة افتقادى لأحفادى و لكن العمر تقدم بى و لم أعد قادرة على التعايش فى الحياة بشكل طبيعى فقد
لزمت الفراش و كأنى أنتظر تلك اللحظة التى أفارق فيها الدنيا فهل أفارق دون أن تكتحل عيناى بابنتى و أحفادى و كيف أجبر قلبى أن لا يغضب منها فأنا أشفق عليها من غضب الله عز و جل.
أكتب لك لعلها تقرأ سطور أنينى و حشرجة أنفاسى و لعلك تنصح لها و زوجها أن يترفقا بامرأة أكل منها الدهر و شرب عمرا و عافية و حياة قضيتها تعيسة بعيدة عن ابنتى.
ك . م . ح
ما أقسى ذلك القلب الذى يخلو من أدنى المشاعر الإنسانية و يتحجر قبالة أم وهبت حياتها لابنتها فما جنت غير عقوق شيطانى قاس.
ترفقى بحالك يا سيدتي و لا تقنطى من رحمة الله سبحانه و تعالى فهو الرحمن الرحيم و بفضل دعاء الأم داخلك سوف تشرق الرحمة فى قلب ابنتك حتما و تعود لصوابها و تبرك فهذا حقك عليها و عليها أن تعى مدى الإثم فى عقوق الوالدين فهو من أكبر الكبائر، قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء:23].
وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر – ثلاثًا – ؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئًا فجلس، فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.
لذلك واجب على الأبناء بر آبائهم ما يرقى إلى مرتبة الفرض و الفعل المقدس أيا كان ماضى الأب أو الأم و إن لم يفعلا خيرا فى حياتهما فإن الله تعالى أمر بالإحسان والمصاحبة بالمعروف للوالدين ولو كانا مشركين.
قال الله تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً [لقمان: 15].
كان يجب على ابنتك أن تتقي الله وتبرك وتحسن إليك بكل أنواع الإحسان والبر والمعروف، وأن تستغفر الله وتتوب إليه من هذا العقوق و إلا كيف تقف أمام المولى عز و جل تصلى ألا تخشى من أن يكون العقوق سببًا في أن لا يقبل الله صلاتها .
يا ابنتى أفيقى من سكرة الطاعة العمياء لزوجك على حساب أمك و اتبعى منهاج رب العزة فى رعاية أمك بكبرها فقد هرمت و باتت على أعتاب
نهايتها فتنسمى بعض نسمات الرفق و البر بها قبل أن تتنسم هى آخر أنفاسها و ترحل و قد قال سبحانه: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً [الإسراء:24].
أما زوجك فكان يجب أن يحملك على بر أمك وأن لا يسمح لك بعقوقها فهو بذلك مضيع لأمر الله له بحفظك من النار، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ [التحريم:6
اقرأ أيضًا:
رفض الإبادة الممنهجة فى غزة ومساعى نقل الحرب لبلادنا
شكوك بين الديمقراطيين حول قدرة بايدن على هزيمة ترامب
إطلاق 5 ملايين رسالة إرشادية للمعتمرين عبر الشاشات الإلكترونية
الاحتلال لقطاع غزة والضفة الغربية والقدس
زيزو وفتوح يحصلان على راحة من تدريبات الزمالك بعد الانضمام للمنتخب
دكتور يوسف شلتوت اخصائي أمراض النساء والتوليد في حوار خاص للرأي العام المصري والإجابة عن أهم الأسئلة المتداولة
الصحة: فحص 5 ملايين و474 ألف طفل ضمن مبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع